من كتاب:
سكب العبرات للموت والقبر والسكرات – 3 مجلد
تأليف:
فضيلة الشيخ د. سيد بن حسين العفاني
يا خليفة الأموات
اذكر هادم اللذات
يا بن آدم
يا مدبر العمر، يا صريع الدهر، أيها
الساكن مساكن الموتى أيها المؤمل ما لا يدرك.
السالك سبيل من قد هلك ، يا غرض الأسقام .. يا
رهينة الأيام . . .يا رمية المصائب يا عبد الدنيا ،
وتاجر الغرور. . . يا غريم المنايا وأسير الموت .
. .يا حليف الهموم وقرين الأحزان، يا نهب الآفات ،
يا صريع الشهوات وخليفة الأموات ، يا ابن التراب
ومأكول التراب غداً ذلل قلبك بذكر الموت.
ذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسر
في ديارهم وآثارهم، وانظر فيما فعلوا، وعما
انتقلوا، وأين حلوا ونزلوا، فإنك تجدهم قد
انتقلوا عن الأحبة،وحلوا ديار الغربة، وكأنك عن قليل
قد صرت كأحدهم، فأصلح مثواك،ولا تبع آخرتك بدنياك.
"أعجب العجائب: سرورك بغرورك، وسهوك في لهوك عما قد خبىء لك! لقد أراك مصرع غيرك
مصرعك، وأبدي مضجع سواك قبل الممات مضجعك! وقد
شغلك نيل لذاتك عن خراب ذاتك.
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى ولم تر في الباقين ما يصنع
الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم محاها مجال الريح بعدك والقبر
*فيا من كل لحظة إلى هذا هذا يسري،وفعله فعل من
لا يفهم ولا يدري اذكر:
*الموت : هادم اللذات، مفرق الجماعات، مباعد
الطيات، ومكدر الشهوات،مسكت النجي مفرق الندي،معفي الآثار،مخرب الديار،زائر
غير محبوب،وواتر غير مطلوب،عظمت سطوته،وتتابعت علينا
عدوته،وقلت عنا نبوته.إن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة
بقصر المدة،وإن غالباًيحدوه الجديدان، الليل والنهار لحري بسرعة الأوبة،وإن
قادماً يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل العدة.
فيا حسرة على
ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة،وأن تؤديه أيامه إلى شقوة.
* أيها السادرون المخمورون الغافلون،أيها اللاهون
المتكاثرون بالأموا والأولاد وأعراض الحياة وأنتم مفارقون يامن ضلوا في
متاهة الأمل والغرور
تنبهوا ... أفيقوا واذكروا الموت.
* الموت الذي ينتهي إليه كال حي ، والذي لا
يدفعه عن نفسه ولا عن غيره حي،
* الموت الذي يفرق بين الأحبة،ويمضي في طريقة
لا يتوقف،ولا يتلفت،ولا يستجيب لصرخة ملهوف،ولا لحسرة مفارق،ولا لرغبة
راغب،ولا لخوف خائف.
قال تعالى (كُلُّ
نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء:35
وقال تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا
تُرْجَعُونَ ) العنكبوت :57
وقال تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا
تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ
وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ
وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران: 185
*
كل نفس تذوق هذه
الجرعة، وتفارق هذه الحياة، لافارق بين نفس ونفس في تذوق هذه الجرعة من هذه
الكأس الدائرة
على الجميع، يموت
الصالحون ويموت الطالحون،يموت الجبابرة ويصرع الأقزام.
يقهر الموت المتسلطين كما يقهر المستضعفين.
يموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذلون
للعبيد،يموت ذووا الاهتمامات الكبيرة والأهداف العالية،ويموت التافهون
الذين يعيشون فقط للمتاع الرخيص . . . الكل يموت.
*يموت كل أمير ووزير، يموت كل عزيز وحقير، يموت كل غني
وفقير، يموت كل نبي وولي،يموت كل نجي وتقي،يموت كل
زاهد وعابد،يموت كل مقر وجاحد،يموت كل صحيح وسقيم،يموت
كل مريض وسليم،كل نفس تموت غير ذي العزة والجبروت.
* يقظة القلب باليقين بالموت:
اليقين بالموت هو الضمان ليقظة القلب وتطلعه إلى ما عند
الله واستعلائه على أوهاق الأرض،وترفعه على متاع الدنيا.
حين تستقر حقيقة الأجل(وَمَا كَانَ
لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً)
ثم خطوة وراء ذلك،فإنه إذا كان العمر مكتوباً والأجل
مرسوماً فلتنظر نفس ما قدمت لغد،ولتنظرنفس ماذا تريد،أتريد أن تقعد عن
تكاليف الإيمان،وأن تحصر همها كله في الأرض،وأن تعيش لهذه الدنيا وحدها؟أم
تريد أن تتطلع إلى أفق أعلى، وإلى اهتمامات أرفع وإلى حياة أكبر من هذه
الحياة؟مع تساوي هذا الهم وذاك فيما يختص بالعمر والحياة؟
*الذي يعيش لهذه الأرض وحدها ويريد ثواب الدنيا
وحدها،إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام! ثم يموت في موعده المضروب
بأجله المكتوب والذي يتطلع إلى الأفق الآخر،إنما يحيا حياة الإنسان الذي
كرمه الله، ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب..( َمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ
الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً).
*(وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
الموت غيب لا يدري إنسان متى يدركه. فمن أراد إلا يموت
إلا مسلماً فسبيله أن يكون منذ اللحظة مسلماً، وأن يكون في
كل لحظة مسلماً:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
[آل عمران 102 ]
* يا أخي:
ما مضى من العمر وإن طالت أوقاتهفقد ذهبت لذاته وبقيت
تبعاته، وكأنه لم يكن إذا جاء الموت وميقاته. قال الله عز وجل:
(فَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205)
ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا
كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [ الشعراء: 205_207 ]،
تلا بعض السلف هذه الآيات وبكى، وقال : إذا جاء الموت
لم يغن عن المرء ما كان فيه من اللذة والنعيم.
. يا أبناء العشرين : كم
مات من أقرانكم وتخلفتم.
. ويا أبناء الثلاثينأصبتم بالشباب على قرب ٍ من العهد فما تأسفتم.
. يا أبناء الأربعين ذهب الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم.
. يا أبناء الخمسين: أنتم زرع قد دنا حصاده،تنصفتم المائة وما أنصفتم.
. يا أبناء الستين: هلموا إلى الحساب، أنتم
على معترك المنايا قد أشرفتم. أتلهون وتلعبون لقد أسرفتم.
. أبناء السبعين: ماذا قدمتم وما أخرتم.
. أبناء الثمانين : لا عذر لكم.
قال مسروق: إذا أتتك
الأربعون فخذ حذرك.
وقال النخعي: كان يقال لصاحب الأربعين : احتفظ
بنفسك.
وكانكثير السلف إذا بلغ الأربعين تفرغ
للعبادة.
وقال عمر بن عبدالعزيز: تمت حجة الله على ابن
الأربعين / فمات لها. ورأى في منامة قائلاً يقول له :
إذا أتتك الأربعون فعندها *** فاخش الإله وكن للموت
حذَارا
. ورحم الله من قال :
وإذا تكامل للفتى من عمره *** خمسون
وهو إلى التقى لا يجنح
عكفت عليه المخزيات فما له *** متأخر عنها ولا متزحزح
وإذا رأى الشيطان غرة وجهه *** حيا وقال: فديت من لا يفلح
قال الفضيل لرجل : كم أتى
عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تصل